صورة دوريان غراي – The Picture of Dorian Gray

أوسكار وايلد، 1890

تحذير: هذا المقال يحتوي على معلومات مفصلة عن القصة ونهايتها

آه، ها قد وصلت أخيرًا، أيها القارئ، لماذا تأخرت؟ لقد سبقتك إلى الدخول إلى القصة. لن نستطيع أن ندخل هذه الغرفة المحصنة بالقضبان، فدوريان غراي يمنع دخول أي شخص سواه إليها كيلا يكشف أحد سره. لا، إنه لا يخفي كنزًا داخلها، بل يخفي صورة. أي صورة؟ صورة البورتريه طبعًا! أراك محتارًا. لا بأس إذن! لنعد إلى بداية القصة معًا.

تبدأ القصة في ستوديو الرسام بازيل، وكان يضع اللمسات الأخيرة على صورة بورتريه بالحجم الطبيعي رسمها لدوريان غراي. كان دوريان غراي لا يزال في سن العشرين في ذلك الوقت، وكان وجهه بالغ الوسامة والبراءة، وكانت له كاريزما قوية تؤثر في كل من يلتقي به. لكنه كان متواضعًا بسيطًا ساذجًا، وكان يعتبر ما يقوله الناس عن وسامته وتميزه نوعًا من المجاملة لا أكثر. ومن ضمن هؤلاء الذين تأثروا به بشدة، الرسام بازيل، الذي وجد فيه نبعًا من الإلهام. كان يكفي أن يتخيل وجود دوريان في مشهد ما حتى يرسمه بإتقان معجز ملهم. في ذلك اليوم كان بازيل ينتظر وصول دوريان لإتمام البورتريه، ووصف لضيفه اللورد هنري التأثير الكاسح لدوريان غراي على فنه قائلًا:

❞دوريان غراي هو كل فني بالنسبة إلي الآن… إن اختراع الرسم بالزيت كان له من الأهمية عند أهل البندقية ما كان لوجه أنتينوس في الفن اليوناني القديم، ودوريان غراي سيحدث في فني ثورةً لا تقل خطرًا عن هذين الانقلابين ❝

في هذه اللحظة، وصل دوريان إلى الستوديو، وبدا القلق واضحًا على وجه بازيل من اللقاء الوشيك بين دوريان البريء الساذج واللورد هنري، فقد كان اللورد هنري صاحب أفكار مسمومة، فقال بازيل:

❞دوريان هو الصديق الأقرب إلى قلبي. إن شخصيته جميلة بسيطة، وتأثيرك سيكون سيئًا. لا تحرمني من الشخص الوحيد الذي يجعلني أحب الحياة، والذي يستقي فني سحره وجماله منه ❝

لكن سرعان ما يدرك بازيل أن توسلاته ذهبت سدًى، فقد راح اللورد هنري يسمم أذني دوريان بأفكاره السامة:

❞كل نزعة نسعى لكبتها تنمو في عقولنا وتسممنا. الجسد يذنب مرةً واحدةً، ثم ينتهي الأمر، فالفعل هو لون من التطهير. فلا يبقى بعده إلا ذكرى اللذة، أو رفاهية الندم. الطريقة الوحيدة للتخلص من الغواية هي الاستسلام لها. أما إن قاومتها، فستذبل روحك شوقًا إلى الأشياء التي حرمتها على نفسها ❝

خرجا يتجولان في الحديقة أمام الستوديو بينما بقي الرسام في مرسمه يتمم اللوحة، كان اللورد هنري يمطر دوريان بعباراته الملتفة التي تدعو إلى مذهب إعلاء اللذة فوق كل ما سواها، واختيار الجمال كمعيار وحيد للحكم على الحياة، وتمجيد الأنانية والنفعية، والسخرية من كل ما هو أخلاقي، وكان يقول هذا كله كأمور بدهية لا أثر فيها لأي شيء صادم أو منفر. حاول دوريان أن يجادله، ولكنه شعر -خلال  ساعات قليلة- أن الأفكار التي صبها اللورد هنري في أذنيه قد أطاحت بكل ثوابته، أن النار قد اتقدت من حوله فأضاءت له دروبًا لم يدر بوجودها. لكن اللورد هنري لم يكن قد فرغ بعد.

❞الشباب هو الشيء الوحيد الذي يستحق أن تتمناه ❝

❞لم يتبق لك سوى سنوات معدودات من الحياة الحقيقية، وعندما يذوي شبابك، سوف تذوي وسامتك معه، وعندها ستكتشف أن أمجادك قد ولت ❝

❞انعم بشبابك ما دام لك، ولا تبذر أيامك الذهبية في الاستماع إلى الوعاظ الثقلاء! لا تدع شيئًا يفوتك! إنما العالم لك لفترة محدودة… الزهور تذبل لكنها سرعان ما تتفتح ثانيةً، أما نحن فلا نستعيد شبابنا أبدًا ❝

قطع بازيل المحادثة ليدعونا إلى العودة إلى الستوديو كي نرى البورتريه الذي أنهاه للتو، والذي كان أروع عمل فني له على الإطلاق. ويبدو أن دوريان -الذي لم يكن قد اهتم يومًا بوسامته أو شبابه أو لاحظهما حتى- هو أكثرنا انبهارًا باللوحة المذهلة التي صورته كما لو كانت الوسامة والشباب قد تجسدا فيه، وكأنه يرى نفسه للمرة الأولى، بل إنها المرة الأولى التي ينظر فيها إلى نفسه بعيني بازيل وعقل اللورد هنري. لقد “نزل عليه الإحساس بجماله كوحي” كما يخبرنا الكاتب. ومع إحساسه بأنه اكتشف كنز الشباب والجمال، شعر بالحسرة لأنه سيفقده بعد سنوات معدودات. لنحبس أنفاسنا، فلقد حانت لحظة الصفر: اللحظة التي سينطق فيها بصوت متهدج كلمات لن ينساها أبدًا:

❞ياللبؤس! لسوف أكبر وأصير عجوزًا قبيحًا بشعًا. لكن هذه الصورة ستظل شابةً إلى الأبد، لن يتقدم بها الزمن لحظةً واحدةً. آه لو كان الأمر معكوسًا! آه لو أظل أنا شابًا إلى الأبد، بينما تكبر الصورة وتشيخ! سوف أفعل أي شيء، أي شيء على الإطلاق كي أحقق هذا ❝

كان كل يوم يمر يقرب دوريان من اللورد هنري وأفكاره السامة أكثر. فطبقًا لفلسفته لا يوجد خير وشر، يوجد فقط جمال وقبح، والجمال يجب كل شيء آخر. ها هو يحادث اللورد هنري كالعادة، لكنني ألمح شيئًا من الحرارة والتردد في ملامحه، تعال نقترب لنسمع. ماذا؟ دوريان ينوي أن يتزوج؟ بمن؟

إنها ممثلة يافعة في أحد مسارح الدرجة الثالثة، وقد فتن بها دوريان لأنها ليست مجرد فتاة جميلة عذبة الصوت، بل هي فنانة عبقرية تجعل حتى جمهور الـ”ترسو” يبكي ويتأثر بمسرحيات شكسبير، فهي جولييت في ليلة، وديدمونة في التي تليها، وفي ثالثة روزاليندا، وقد تقرب إليها دوريان رغم الفرق الاجتماعي الكبير بينهما وأقنعها بالزواج منه. أعد أفضل ثيابك واتبعني، فسوف نرافق دوريان وصديقيه هنري وبازيل لحضور عرضها الليلة كي نراها بأنفسنا. ها هي سيبيل ڤين، إنها جميلة ولا شك.. لكن ما أبشع أداءها! وكأنها تؤدي واجبًا مدرسيًا ثقيلًا. أهذه حقًا هي الفنانة العبقرية التي وصفها دوريان؟ أن يكون أداؤها بهذه البشاعة في الليلة التي دعا فيها صديقيه خصيصًا لرؤيتها! يا للإحراج! انتهى العرض أخيرًا! لنتبع خطوات دوريان الغاضبة إلى حجرة سيبيل وراء الكواليس.

❞لكن يا دوريان، قبل أن أعرفك كان التمثيل هو الحقيقة الوحيدة في حياتي، لم أكن أعيش سوى على المسرح. آمنت أن كل شيء هناك حقيقي. كانت أفراح بياترياس أفراحي، وأحزان كورديليا أحزاني. زملائي من الممثلين بدوا لي عظماء، والديكور الملون كان عالمي. لكنك أتيت فحررت روحي من سجنها، علمتني كيف يكون الواقع حقًا. والليلة، لأول مرة في حياتي، رأيت الزيف على حقيقته. أدركت أن روميو كان قبيحًا، عجوزًا، مغطًى بمساحيق التجميل، وأن ضوء القمر في البستان كان زائفًا، وأن المشهد كان سوقيًا، وأن الكلمات التي كنت أنطقها كانت زائفةً ❝

كان رد دوريان هو:

❞لقد قتلت حبي لك!… أنت سطحية وغبية! أنت لا شيء بالنسبة إلي الآن. بدون فنك أنت لا شيء. مجرد ممثلة من الدرجة الثالثة بوجه حسن ❝

لم يزده انهيار سيبيل وتوسلاتها إلا قسوةً لم يألفها في نفسه من قبل. وعندما عاد إلى منزله، وجد مفاجأةً مذهلةً. وقف دوريان يتأمل البورتريه وهو لا يصدق عينيه. فالوجه في اللوحة كان نفس الوجه الوسيم المألوف، أما التعبير المرتسم عليه فكان مختلفًا تمامًا عن البراءة النقية التي أبدع بازيل في رسم تفاصيلها. كان تعبيرًا قاسيًا، ساخرًا. ألم يعلن دوريان استعداده لفعل أي شيء كي تحمل الصورة عنه أعباء مرور السنين وتراكم التجارب، مقابل أن يبقى وجهه شابًا بريئًا؟ ها قد تم له ما تمنى. تيقن بعد فترة أنه غير واهم، وأن الصورة قد أصبحت ضميره الحي، أصبحت كالبورتريه لروحه ذاتها، فقرر أن يصلح ما أفسده عندما يحل الصباح، وبدأ صفحته الجديدة بمحاولة قطع علاقته باللورد هنري.

❞«أنا أعرف ماهية الضمير. وهو ليس كما أخبرتني. بل إنه الشيء الأكثر قدسيةً داخلنا. لا تسخر من ضمير الإنسان ثانيةً، على الأقل ليس أمامي. أريد أن أكون إنسانًا جيدًا. لا أستطيع أن أتحمل فكرة أن تكون روحي قبيحة»
«ياله من أساس فني ساحر للأخلاقيات يا دوريان، وأنا أهنئك! لكن كيف ستبدأ (حياتك الجديدة)؟»
«سأبدأها بالزواج من سيبيل ڤين».
نهض اللورد هنري مندهشًا وصاح: «لكن، عزيزي دوريان..»
قاطعه دوريان قائلًا: «نعم، أعرف.  ستقول شيئًا بشعًا عن الزواج. لا تقله. لا تقل تلك الأشياء أمامي ثانيةً. قبل يومين طلبت من سيبيل أن تتزوجني. وأنا لن أخلف وعدي»
صاح اللورد هنري: «تتزوجها يا دوريان؟! ألم تتلق رسالتي؟ دوريان! لقد كتبت الرسالة لأخبرك أن سيبيل ڤين قد انتحرت» ❝

صعق دوريان. هل قتلتها قسوته؟ يالعذاب الضمير! لكن لحظة… هل دعا اللورد هنري دوريان إلى الغداء والأوبرا لتوه؟! وكأن ما حدث مجرد حدث عابر مزعج لا أكثر؟ لم يكن دوريان قد استوعب الأمر بعد، كانت مشاعره مخدرةً بالكامل وكأنه في كابوس. ولم يفت اللورد هنري أن يلتقط هذا الخيط:

❞«أوه يا عزيزي دوريان! لو كنت قد تزوجت هذه الفتاة لكنت من التعساء. إن النوايا الحسنة هي محاولات عديمة الجدوى للتدخل في قوانين الطبيعة»
قال دوريان: « لست قاسي القلب، لكنني أعترف أن الأمر لا يؤثر في كما ينبغي. إنها تبدو لي كنهاية رائعة لمسرحية رائعة»
ولما كان اللورد هنري يجد متعةً لا توصف في اللعب على أوتار ذاتية دوريان وأنانيته فلقد التقط الخيط وواصل كلامه: «إن مآسي الحياة غالبًا ما تكون فظةً خاليةً من الجمال، فننفر منها. أما في تلك الحالة، فلقد قتلت فتاة نفسها بسبب حبها لك! كم أتمنى أن تكون لي تجربة كتلك! تقول إنك كنت قاسيًا، لكن النساء يقدرن القسوة أكثر من أي شيء آخر. لقد كانت ممثلةً، ولقد أدت دورها الأخير. إنها لم تعش حياتها حقًا، ولذلك لا يمكن أن نعتبر أنها قد ماتت حقًا. احزن على أوفيليا، انثر الرماد على رأسك حزنًا على موت كورديليا، لكن لا تذرف دموعك على سيبيل ڤين، فلقد كانت أقل واقعية من الأدوار التي لعبتها».
بعد فترة طويلة من الاستماع إلى أحاديث اللورد هنري، قال دوريان: «لقد فسرت لي نفسي. لقد شعرت بكل ما قلته لكنني خفت من مشاعري تلك لسبب ما ولم أستطع التعبير عنها. أنت تفهمني جيدًا… سوف أذهب معك إلى الأوبرا» ❝

وهكذا، أصبح دوريان تلميذ اللورد هنري النجيب. فكان كلما شعر بتأنيب الضمير، سارع يغرق نفسه في الحفلات والتجارب الجديدة التي تنسيه ذلك. كما أخفى الصورة التي تحمل سره الرهيب في غرفة مهجورة في منزله، لا يحمل مفتاحها سواه. 

عاهد دوريان نفسه على أن يحيا حياةً طيبةً، لعل القسوة البادية في الصورة تنمحي. لكن مرور الوقت لم يزده إلا انحدارًا. وكانت كل خطيئة يقترفها تترك أثرًا ينطبع على روحه، وينعكس على وجهه المرسوم في البورتريه، حتى أصبح وجهه في الصورة -رغم وسامته- بشعًا لا يكاد الناظر يطيق رؤيته. بينما ظل وجهه هو بريئًا نقيًا شابًا كما هو. ورغم كل الاحتياطات التي أخذها كيلا يكتشف أحد سره، جعلت الكوابيس والوساوس حياته جحيمًا لا يطاق. تقول إنه يجب أن يدمر الصورة؟ لقد فكر في ذلك، لكن مراقبة تغيرها مع كل مستوًى جديد يتدنى إليه كانت تبهره.

لا عجب أن شبابه الدائم وثروته الطائلة التي كان ينفقها بسخاء على حفلاته وأصدقائه جعلا منه نجم المجتمع الأول. لكنها نجومية لم تخل من شوائب. هل لاحظت ما حدث عندما دخل دوريان إلى صالة ذلك النادي الشهير؟ هل رأيت كيف نهض رجلان من بين الحاضرين، ووجها إليه نظرةً قاسيةً ذات مغزًى قبل أن ينصرفا على الفور؟ وهل لاحظت أن بعض أصدقائه الذين كانوا لا يفارقونه صاروا يتجنبونه كالطاعون؟ والشائعات! هل سمعت ما أشيع عن الأماكن الوضيعة التي يرتادها دوريان؟ لكن كل هذا لم يثن دوريان عن المسار الذي اختاره لحياته، فكلما خسر صديقًا كسب غيره، أما الشائعات فلم تؤثر كثيرًا في شعبيته، وقد دافع عنه البعض قائلين إنه لو كان شيطانًا كما يقال لظهر أثر ذلك على وجهه مهما كان وسيمًا. ولا تنس عامل الثروة والسخاء! فكما يخبرنا الكاتب:

❞كانت ثروته الكبيرة عنصر أمان ولا شك. فالمجتمع، المتحضر على الأقل، لا يميل إلى تصديق أي شيء ضد الذين اجتمعت فيهم الفتنة والجاه. والسلوكيات الاجتماعية أهم من الأخلاق عند المجتمع، الذي يرى أن أعلى درجات الاحترام لا تضاهي قيمة امتلاك طاه ماهر. وما العزاء في أن تعرف أن الرجل الذي قدم لك عشاءً سيئًا أو نبيذًا رديئًا رجل لا غبار عليه في حياته الخاصة؟❝

مع مرور السنين، فقد دوريان حس التمييز بين الخير والشر، والجيد والرديء. فكان يجد في الشر الخالص أحيانًا مجرد لوحة بيضاء يجرب فيها ألوانًا جديدةً من الجمال.

بقي له صديق حقيقي واحد، وقد قابله للمرة الأخيرة في ليلة شكلت علامةً فارقةً في حياتيهما معًا. إنه الرسام بازيل الذي زاره ليلًا قبل أن يرحل إلى باريس. بدأ بازيل يحدثه عن الشائعات الرهيبة التي سمعها عنه، ويعدد له أسماء هؤلاء الذين انتهت حياتهم بالفضيحة أو الانتحار بعد أن تقاطعت طرقهم مع طريقه، وكيف يقولون إن دخول دوريان غراي إلى أي منزل يعني أن عارًا ما سيلحق بأهله.

❞يجب أن ترد على هذه الاتهامات الشنيعة. إذا أخبرتني أن كل هذا لا أساس له من الصحة فلسوف أصدقك. أنكرها يا دوريان! أنكرها! يا إلهي! لا تخبرني أنك سيء وفاسد ❝

وأخيرًا، جاءت اللحظة التي كان دوريان يخشاها ويتمناها في الوقت نفسه. فلقد قرر أن يطلع بازيل على سره، أليس هو من رسم تلك الصورة الملعونة على أي حال؟ ها قد رآها. يالبازيل المسكين! لا، أنا لا أقول إنه مسكين فقط لأنه صدم من بشاعة ما رآه ووجد صعوبةً في تصديقه، ولا لأنه تألم عندما سخر منه دوريان حين حاول أن يقنعه بأن أوان إصلاح حياته لم يفت بعد. بل أقول إنه مسكين لأنه لم يكن يتوقع أبدًا ذلك الخنجر الذي هوى به دوريان على ظهره. مات بازيل. قتله دوريان. ولم يشعر بذرة أسف. وفي ساعات قليلة كان قد أخفى كل دليل على أنه قابل بازيل ذلك اليوم.

الآن نفهم لماذا ازدادت الصورة بشاعةً، وندرك السبب وراء القطرات الحمراء التي تتساقط من على اليد المرسومة. إنها تمثل دم بازيل، وقد انطبع أثره على روح دوريان. لكن كل حفلات العالم ولذاته لا تنجح في تخفيف الحمل الرهيب عن كاهله هذه المرة.

بعد ذلك ينجو دوريان بأعجوبة من محاولة أحد أعدائه لقتله، ويقسم أنه هذه المرة سيصلح مسار حياته، ويشعر بالرضا البالغ عن نفسه حين يعرض عن إغواء فتاة مسكينة كأول فعل خير في حياته الجديدة. هرع دوريان إلى غرفته ليكشف الستار عن لوحته، لا بد أنها ستبدو أفضل قليلًا، أليس كذلك؟ لكنه صرخ متألمًا عندما وجد أن الصورة ازدادت بشاعةً -إن كان ذلك ممكنًا-، ففي العينين رأى نظرة مكر وخداع، أما الفم، فلقد ارتسمت عليه ابتسامة المنافقين. ثم إن القطرات الحمراء زادت فكست يديه، حتى اليد التي لم تطعن بازيل. لماذا؟ لماذا؟ هل تطالبه اللوحة بأن يعترف؟ بأن يكفر عن آثامه القديمة وأن يتحمل مسؤوليتها أولًا بدلًا من أن ينافق نفسه والجميع بأفعال لم تنبع من رغبة صادقة في فعل الخير، بل كانت مجرد هوى نفس مقنع؟ لكنه لم يشعر أن جرائمه كانت بهذه البشاعة، وهي لا تستحق أن يعدم أو يسجن بسببها، صحيح؟ لا! لن يعترف. مطلقًا. لا مفر إذن. الصورة بمثابة ضميره، وإذا أراد أن يعيش في سلام فلا حل إلا أن يتخلص منها. تناول دوريان الخنجر، وطعن الصورة بكل ما أوتي من قوة. آه! غط أذنيك! ما هذه الصرخة البشعة؟ لقد صدرت من الحجرة المهجورة! لنسرع مع الخدم لنر ماذا حل بدوريان.

❞عندما دخلوا، وجدوا صورة بورتريه رائعةً معلقةً على الجدار تصور سيدهم كما رأوه آخر مرة، بكل بهاء شبابه وجماله الساحر. وعلى الأرض، رقد رجل ميت يرتدي حلة المساء، وقد استقر خنجر في قلبه. كان ذابلًا، متجعدًا، ذا وجه بغيض. ولم يعرفوه إلا عندما فحصوا خواتمه ❝

غلاف النسخة المترجمة إلى العربية

“صورة دوريان غراي” هي الرواية الوحيدة التي كتبها الكاتب المسرحي الشهير أوسكار وايلد، مستوحيا بعض أهم عناصرها من أسطورة فاوست. وقد أثارت جدلًا واسعًا لأنها استعرضت مذهب اللذة، واحتوت على إشارات ضمنية لحياة الفساد التي لا تناسب قيم مجتمع القرن التاسع عشر المحافظ. لكن أوسكار وايلد ألحق مقالًا بالرواية بعد ذلك دافع فيه عن حرية الفنان، كما دافع عنه البعض قائلين إن الرواية أظهرت كيف دمرت حياة الفساد كل من انخرط فيها، وهي -بهذا الاعتبار- أقرب إلى عمل وعظي مباشر. على أي حال، تعد “صورة دوريان غراي” من أهم الأعمال الأدبية التي كتبت في زمانها وأشهرها، ولا تزال تشغل مكانًا متقدمًا في قوائم أكثر روايات المجال العام شعبيةً حتى يومنا هذا.

  • توجد نسخة مترجمة إلى العربية من تعريب لويس عوض، وهي متاحة كنسخة ورقية أو إلكترونية عبر منصات أبجد وقارئ جرير، المزيد من التفاصيل هنا. (ملحوظة: نص القصة الإنكليزي متاح ضمن المجال العام مجانًا ولا يخضع لحقوق النشر، أما الترجمة العربية للقصة فليست ضمن المجال العام. احرص على شراء أو استعارة النسخ الأصلية من الكتاب حفظًا لحقوق دار النشر والمترجم).
  • يمكن الحصول على نص القصة الأصلي (باللغة الإنكليزية) كاملًا من مشروع غوتنبرغ.
  • يوجد عدد من تسجيلات الكتب الصوتية المجانية (باللغة الإنكليزية) على موقع ليبريفوكس.

4 تعليقات على “صورة دوريان غراي – The Picture of Dorian Gray”

  1. سرد جميل جدااا
    ايضا الفيلم الروائي لتلك القصه تم إنتاجه في الولايات المتحدة
    وصدر في سنة 1945.
    باسم The Picture of Dorian Gray

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *