طرزان سليل القردة – Tarzan of the Apes

إدغار رايس بوروز، 1914

تحذير: هذا المقال يحتوي على معلومات مفصلة عن القصة ونهايتها

بعد كل ما مررنا به من أهوالٍ في دهاليز الأوبرا وبين جدران قلعة الكونت دراكيولا، أظن أن الوقت قد حان كي نستنشق بعض الهواء النقي وأن نسترخي قليلًا. وجدتها! رحلةٌ بحرية! ما رأيك إذن أن نرافق اللورد غرايستوك وعروسه على متن هذه السفينة المتجهة إلى إفريقيا؟ هواءٌ منعش، بحرٌ شاسع.. ألم أخبرك؟ لكن يبدو أن التوتر بين القبطان ورجاله في ازديادٍ مستمر.. تمردٌ على السفينة.. قُتِلَ القبطان! لحسن الحظ، قرر زعيم التمرد ألا يقتل اللورد وزوجته، وأن يرمي بهما على ساحلٍ مهجورٍ. لقد وعدهما بالطبع أنه سيُخطر السلطات عن مكانهما كي تأتيهما النجدة، لكننا نعرف -كما يعرف اللورد- جيدًا أنه لا ينوي أن يفعل ذلك.

يبدو أن رحلتنا قد انقلبت إلى كابوس، لكن يجب أن تعذرني لمسارعتي في مرافقة اللورد غرايستوك دون تردد، فأنا من هؤلاء الذين أحبوا طرزان وفُتِنوا بالقصص والرسوم المتحركة المستوحاة من قصَّته منذ الصغر، وعندما عرفت أن قصة طرزان الأصلية كانت سلسلةً من أربعٍ وعشرين قصة، تحمست كثيرًا وبدأت في قرائتها فورًا. وكنت قد قرأت عن الإشارات العنصرية الضمنية في القصة ما أثار فضولي أكثر، لكنني لم أجد أي إشاراتٍ ضمنيةٍ في الموضوع، فالعنصرية -والحق يُقال- كانت واضحةً فسفوريةً صارخةً في كل ركنٍ وعلى كل مستوى.

لكن لنناقش هذا في ما بعد، فلنعد أولًا إلى الورطة التي وجدنا أنفسنا فيها مع اللورد وزوجته. ها نحن ذا على شاطئٍ لم يطأه بشرٌ من قبل، يحدُّ أدغالًا كثيفةً مع اللورد وعروسه الشابة الحبلى. تأمل كيف يحاول اللورد إنشاء مأوًى صغيرٍ آمنٍ في هذا الدغل الموحش، وهي مهمةٌ تستغرق عدة أيامٍ وليالٍ محطمةٍ للأعصاب، قبل أن ينجح في بناء كابينةٍ صغيرةٍ حصينة. ويبدو أن اللورد وزوجته قد عاد إليهما الشعور بالأمان بعد أن اعتادا على أصوات الغابة ووحوشها المروعة. لكن الشعور بالأمان قد يكون خادعًا في أحيانٍ كثيرة، انظر كيف يجلس اللورد بعيدًا عن الكوخ منهمكًا في أعماله اليدوية دون أن يأخذ معه بندقيته! هل تسمع معي ذلك الصوت الآتي من بين الأغصان؟ لقد سمعه اللورد متأخرًا، إنه غوريلا عملاقٌ غاضبٌ عازمٌ على قتله، وجدت الشابة الحبلى المذعورة نفسها في موقفٍ مرعب، فأمسكت البندقية -التي كانت تخشى مجرد لمسها- وأطلقت النار لتُنقذ زوجها في اللحظة الأخيرة وتنهار فاقدة الوعي. صحيحٌ أنها نجت، وأنها وضعت طفلًا جميلًا صحيحًا في تلك الليلة، لكننا ندرك -مع اللورد كسير القلب- أنها حين استعادت وعيها لم تستعد عقلها معه.

❞ في تلك الليلة ولد ابنٌ صغيرٌ في الكابينة الصغيرة بجوار الغابة البدائية، بينما صرخ نمرٌ أمام الباب، وترددت نبراتٌ عميقةٌ لزئير أسدٍ من وراء التلال. لم تتعافى الليدي غرايستوك من صدمة هجوم القرد قط، ورغم أنها عاشت عامًا بعد ميلاد ابنها، لم تخرج من الكابينة ثانيةً، ولم تستوعب تمامًا أنها لم تكن في إنكلترا. ❝

رغم كل شيء، يُدخِل الصغير شيئًا من السعادة -قصيرة المدى- على قلب اللورد المسكين. إلى أن توفيت زوجته بعد عامٍ واحدٍ في أثناء نومها في سلام، تاركةً اللورد في حالةٍ يرثى لها. خارت قواه فوضع رأسه الثقيل على المنضدة ونام تاركًا باب الكابينة مفتوحًا، وإذا انتابك شعورٌ أنه خطأٌ غبيٌ، فأنت محق!

لكن دعنا نترك تلك الكابينة الضيقة الخانقة قليلًا ونتعمق في الدغل لنعرف مصدر هذه الضوضاء، يبدو أن كرشاك -زعيم الغوريلات- قد ثارت ثورته من جديد. ويبدو أن كالا، الغوريلا الفتية التي وضعت أول صغيرٍ لها مؤخرًا، كانت منهمكةً في جمع الثمار فلم تدرك أن كرشاك في مزاجٍ سيءٍ إلا متأخرًا. وينفطر قلب المسكينة حين يهوى الصغير الذي تحمله على الأرض وهي تحاول الفرار من كرشاك ليفارق الحياة على الفور. ويقود كرشاك جماعته إلى الشاطئ حيث الكابينة التي تركت مفتوحة. الآن نتيقن أن اللورد غرايستوك قد ارتكب خطأً قاتلًا، لندر وجوهنا كيلا نرى المشهد البشع! لكنَّ كالا تُفتَنُ بالصغير البشري الباكي وتنقذه من براثن كرشاك. لقد أُعْطِيَتْ فرصةً جديدةً لتكون أمًا، وهي لن تضيعها.

بعد فترة، يتضح لعشيرة القرود أن الصغير الذي تبنته كالا ليس أغبى كائنٍ رأوه في حياتهم فحسب، بل هو -على الأغلب- متخلفٌ عقليًا على أقل تقدير. لقد مرَّ عامٌ كاملٌ منذ أن تبنته كالا، وهو لا يزال عاجزًا عن حماية نفسه! أو جمع الطعام! أو حتى الإمساك بكالا بإحكامٍ أثناء تسلقها! لكن كالا ترفض التخلي عن صغيرها الذي أطلقت عليه اسم طرزان (وهو اسمٌ يعني البشرة البيضاء في لغتها) رغم كل الضغوط.

مرَّت الشهور والسنوات، وتطورت قدرات طرزان بشكلٍ ملحوظٍ، واستطاع أن يملأ فجوة القوة بينه وبين أقرانه بذكائه وحيله وإجادته استخدام الأدوات. لكن أحدًا في القبيلة لم يعره أي اهتمامٍ حقيقيٍ إلا بعد حادثة انتصاره على سابور، اللبؤة الشرسة، وهو في العاشرة من عمره. كان يزداد قوةً وذكاءً وتميزًا في كل يومٍ تحت رعاية كالا التي أغرقته حبًا وعنايةً واهتمامًا. كان الوحيد الذي يعرف سر فتح باب الكابينة الحصينة على الشاطئ، وقد دخلها مئات المرات ليتفحص الأشياء العجيبة داخلها، غير عابئٍ بالهياكل العظمية الملقاة بداخلها. لكن ما خلب لبه هناك حقًا كان الكتب، خاصةً كتب الأطفال والقواميس المصورة. فتن طرزان بالصور، وقد لاحظ أن رموزًا تبدو كحشراتٍ عجيبة الشكل -أي الحروف- تتكرر في تسلسلاتٍ معينةٍ لتكون كلماتٍ ترمز إلى تلك الصور. فكان يقضي الساعات الطويلة كل يومٍ منغمسًا في هذه الكتب يحاول فك لغزها، حتى استطاع أن يعلم نفسه القراءة والكتابة باللغة الإنكليزية، دون أن يعرف اللغة المنطوقة بالطبع. ولم يكن هذا هو انتصاره الوحيد الذي أشعره بالتفوق، فلقد استطاع أن يخدع قبيلةً كاملةً من السكان الأفارقة وأن يستولي على رماحهم المسمومة مرةً بعد مرة.

لكن ما يقلب حياة طرزان رأسًا على عقبٍ فعلًا هو وصول بعثةٍ استكشافيةٍ من الولايات المتحدة للبحث عن كنزٍ أثريٍ ما، ويبدو أن هذا الشاطئ هو البقعة الوحيدة الحاصلة على تصريح نقابة المتمردين للتخلص من الركاب! فقد ألقاهم البحارة المتمردون في نفس المكان الذي وجد اللورد غرايستوك نفسه فيه قبل عشرين عامًا!! أفسح لي مكانًا بجوار طرزان في مخبأه بين الأغصان لو سمحت كي أراقب المشهد معه. لكن لماذا يبدو مأخوذًا هكذا؟ ربما لأنها المرة الأولى التي يرى فيها أناسًا بيض البشرة مثله، أو ربما تكون الحسناء جين بورتر هي من استحوذت على اهتمامه بهذا الشكل. إنها تسير مع خادمتها، ووالدها البروفيسور بورتر ومساعده، وشابٍ إنكليزيٍ أنيق. ألا تذكرك ملامحه بشيء؟ نعم! إنه النبيل الإنكليزي كلايتون، الذي نكتشف أنه -وياللدهشة- ابن عم طرزان! يجد أفراد البعثة المذعورون الكابينة التي بناها والد طرزان قبل حوالي عشرين عامًا، ويحتمون بها. فكتب لهم طرزان رسالةً علقها على باب الكابينة:

❞هذا بيت طرزان، قاتل الوحوش والكثير من الرجال السود. لا تفسدوا الأشياء التي هي ملك لطرزان. طرزان يراقب. طرزان سليل القردة ❝

وربما نصدق أنه كتب كل هذا بالإنكليزية التي علمها لنفسه خلال سنواتٍ طويلة، لكن إذا كنت تتساءل كيف استطاع أن يكتب كلمة «طرزان» التي نقلها من عشيرة القرود، متهجيًا الحروف التي لم يسمع نطقها في حياته ولا يعرف مدلولها الصوتي، فتخيل معي أن الكاتب يغمز لك كي «تعديها المرة دي»، وواصل القراءة لو سمحت! فلا يزال أمامنا الكثير. سرعان ما تتطور الأمور، ويقرر طرزان أن يحاول إقناع جين بورتر بأن تصبح عروسه بأي شكلٍ، حتى إنه يستجمع كل قدراته اللغوية ليكتب أول رسالة حبٍ لها في حياته.

❞أنا طرزان سليل القرود. أنا أريدك. أنا لكِ. أنتِ لي. نحن نعيش هنا معًا دائمًا في منزلي. سوف أجلب لك أفضل ثمار الفاكهة، وأطيب الغزلان، وأفضل لحوم الحيوانات التي تحوم في الدغل. سوف أصيد من أجلك. أنا أعظم مقاتلي الأدغال. أنتِ جين بورتر، رأيتُ ذلك في رسالتك. عندما ترين هذا ستعرفين أنه لك، وأن طرزان سليل القردة يحبك. ❝

ورغم أنه يسبغ حمايته على سكان الكوخ -الذين لم يربطوا بين طرزان الذي كتب لهم الرسالة وهذا الرجل الهمجي الذي لا يفهم أي لغةٍ كانت- وينقذ جين من الموت المحقق، ويضع لهم أجود أطعمة الدغل أمام باب الكوخ كل يوم، لا تستطيع جين أن تتغلب على حاجز خوفها منه، وإن كانت تميل إليه دون شك. لكن طرزان، رغم شعوره القوي بالانجذاب إلى المجموعة، تساوره الشكوك.

❞بدأت مشاعرُ جديدةٌ تثور في صدر ذلك الكائن المتوحش غير المروض. لم يستطع أن يفهمها. تساءل عن السبب الذي جعله يشعر باهتمام كبير حيال هؤلاء الناس، والسبب الذي جعله يتحمل كل هذا العناء لإنقاذ الرجال الثلاثة. لكنه لم يتساءل عن السبب الذي دفعه لدفع سابور، اللبؤة، بعيدًا عن لحم الفتاة الغريبة الغضّ.
كان الرجال أغبياء وحمقى وجبناء. حتى القرد مانو كان أذكى منهم. إن كانت هذه هي الكائنات التي ينتمي إليها، فإنه يتشكك الآن في فخره السابق بأنه منهم. ❝

أخيرًا، تجدهم سفينةٌ تحمل معها الأمل في العودة إلى العالم المأهول. لكنّ طرزان يضطر للبقاء في عمق الغابة لفترةٍ طويلةٍ ليرعى دارنوه الجريح، وهو أحد الرجال الفرنسيين الذين جاؤوا على متن السفينة. انظر كيف تجهم وجه طرزان حين عاد مع دارنوه ليجد أنهم رحلوا دون عودة. المسكين! لقد آلمه رحيل جين أكثر مما كان يظن. لكن بابًا جديدًا يفتح له حين يبدأ التواصل كتابةً مع دارنوه، كتب يقول:

❞أنا أتحدث فقط لغة عشيرتي، القرود العظام الذين كانوا تحت قيادة كرشاك، والقليل من لغة تانتور الفيل، ونوما الأسد، وأفهم لغة ساكني الغابة الآخرين. لم أتحدث مع بشري قط، إلا مرة واحدة مع جين بورتر، عبر الإشارات. هذه هي المرة الأولى التي أتحدث فيها مع شخص آخر من نوعي عبر الكلمات المكتوبة…. علمني كيف أتحدث لغة الإنسان. ❝

وهنا، تخطر لدارنوه فكرةٌ عبقريةٌ معجزةٌ في غبائها: أن يعلمه اللغة المنطوقة بالفرنسية! وهكذا، بعد فترة، صار طرزان يتحدث الفرنسية بشكلٍ لا بأس به دون أن يكتب أو يقرأ بها، ويكتب بالإنكليزية ويقرأها دون أن يتحدث بها! لكن «عك» دارنوه وجهوده لا تتوقف هنا، فهو يجعل من طرزان جنتلمان حقيقيًا، ويبدأ الصديقان رحلةً شاقةً طويلةً للغاية إلى العالم الحديث المستنير الساطع، عالم الرجل الأبيض النقي الرائع الذي ينير في الظلام! وبما أن دماء أجيالٍ من النبلاء الإنكليز تسري في عروق طرزان، فهو لا يجد الكثير من الصعوبة في التحول خلال شهورٍ قليلةٍ من رجل غابةٍ يصارع الوحوش ويصيد فرائسه ليأكلها نيئة، إلى نبيلٍ فرنسي راقٍ يتحدث بالشوكة والسكين، ويتحرك في أرقى دوائر المجتمع. ويبدأ دارنوه في البحث عن أصل طرزان وكيف انتهى به الأمر في الغابة بعد أن أخبره طرزان أنه لم ير أباه أبدًا، وأن أمه الحقيقية كانت قردة! أما طرزان فلا ينتظر كي يعرف نتيجة استقصاءاته تلك، بل ينطلق من فوره إلى الولايات المتحدة كي يبحث عن “جين بورتر” ويحاول إقناعها أن تتزوجه.

ويدرك الكاتب هنا أن عدد الصفحات المحدد قد شارف على الانتهاء، فيبدأ عملية «كروتة» واسعة النطاق، ففي سطرين ندرك أن البعثة الفاشلة لآل بورتر كانت فخًا نصبه ممولٌ ثريٌ حقيرٌ أراد أن يلوي ذراع البروفيسور بورتر ليتزوج من ابنته جين. وبينما كانت تسير في غابةٍ قريبةٍ اندلع حريقٌ كبيرٌ حاصرها فلم تستطع الخروج، خمن كيف نجت… نعم! إنه طرزان الذي -وياللدهشة- يصل في هذه اللحظة بالذات لانتشالها من وسط النيران المشتعلة ويعيدها إلى منزلها، ويخبر والدها أنه جلب الكنز المفقود معه، وهكذا تصبح جين حرة. لكن كلايتون -ابن عم طرزان- ينتزع منها وعدًا بالزواج منه رغم حبها لطرزان، وهي تعترف بخطأها الغبي لطرزان في اللحظة التي يقرأ فيها برقية دارنوه التي يخطره فيها أنه هو ابن اللورد غرايستوك، وأنه الوريث المستحق للقب والثروة الطائلة التي آلت لابن عمه كلايتون. لكنه يحتفظ بهذه الحقيقة سرًا كي يحتفظ كلايتون، خطيب جين، بلقبه وثروته، حرصًا منه على سعادة جين، ويعود إلى غابته الحبيبة كسير القلب لاعنًا الجنس البشري، عازمًا على ألا يتعامل مع أي من أفراده مجددًا.

❞ «أظن أنني أفهمك»، هكذا رد عليها بلهجة هادئة، «أنا لن أضغط عليك، لأنني أفضل أن أراكِ سعيدةً عن أن أكون سعيدًا. أرى الآن أنك لا تستطيعين أن تسعدي مع … قرد. »

وبهذا ينتهي العدد الأول من سلسلة طرزان. وهو سيتزوج جين في نهاية الأمر بالطبع، لكن هذا يستغرق أحداثًا معقدةً كثيرةً في الرواية الثانية من السلسلة بعنوان: «عودة طرزان».

والقصة ممتعةٌ ولا شك، خاصةً في نصفها الأول. وإن كانت جميع الشخصيات فيها -ما عدا طرزان- باهتةً سطحيةً أحادية البعد، والحبكة مليئةٌ بمصادفاتٍ معقدةٍ لا تصدق بشكلٍ يزيل الفاصل بين الأدب الإنكليزي والأفلام الهندية. أما طرزان نفسه، فمن الصعب ألا تتعاطف معه رغم كل شيء: ارتباكه بسبب اختلافه عن عشيرته، كفاحه المستمر حتى أصبح زعيم عشيرة القرود وسيد الدغل بعد أن كان منبوذًا مستحقرًا، انهياره باكيًا للمرة الأولى في حياته وهو شابٌ قويٌ يافعٌ وقد انفطر قلبه على موت كالا التي كانت له أمًا حقيقية، وكانت المصدر الوحيد للحب في حياته، حيرته الدائمة لأنه لا ينتمي تمامًا إلى القرود ولا ينتمي تمامًا إلى البشر، تخليه عن كل شيءٍ من أجل سعادة من يحب… 

لكن قصة طرزان تظل نتاجًا لمخيلة كاتبٍ غارقٍ في العنصرية الفجة حتى أذنيه، وقارئ القصة لا يملك إلا أن يتعجب من فجاجة العنصرية واللهجة الاستعلائية الظاهرة التي لا تكاد أي صفحةٍ من صفحات القصة تخلو منها. وتصور القصة الأفارقة بمجموعةٍ من الأغبياء الشرسين المذعورين، بشرٌ من الدرجة العاشرة على أفضل تقدير.

❞ثبت طرزان سهمًا مسمومًا في قوسه، لكن دارنوه وضع يده على ذراعه متسائلًا: «ماذا ستفعل يا طرزان؟»، رد طرزان قائلًا: «سوف يحاولون قتلنا إذا رأونا، وأنا أفضل أن أكون القاتل»، قال دارنوه مقترحًا: «لعلهم أصدقاء»، كان رد طرزان الوحيد هو: «إنهم سود»، ثم سحب سهمه مرة ثانية. صاح دارنوه: «يجب ألا تفعل يا طرزان! الرجال البيض لا يقتلون بطيش هكذا. يا إلهي! أمامك الكثير لتتعلمه. إنني لأشفق على أي همجي يثير غضبك عندما أصطحبك إلى باريس يا صديقي البري. سوف أقضي وقتي كله في محاولة إبقاء رأسك بعيدًا عن حد المقصلة!». أنزل طرزان قوسه وابتسم. قال: «أنا لا أعرف لماذا أستطيع أن أقتل السود في غابتي، ولا أستطيع قتلهم هنا. تخيل أن الأسد نوما ظهر في طريقنا، أظن أنني يجب أن أقول له إذن: صباح الخير مسيو نوما، ترى كيف حال السيدة نوما اليوم، إيه؟» ❝

ولكنه كاتبٌ عادلٌ، يوزع عنصريته بالتساوي بين السود والنساء. فالنساء في القصة ضعيفاتٌ، غبياتٌ، حمقاوات. وعنصريته تتجاوز ذلك، فهو لم يستطع أن يقاوم إقحام ملاحظةٍ على لسان البروفيسور بورتر تفيد أن «الإسلام كان وسيظل عثرةً في طريق التقدم العلمي». وإن كنت تظن أن الرجال البيض قد نجوا من فخ استعلائه هذا، فانتظر حتى تقرأ رأيه في الروس في أعدادٍ لاحقةٍ من السلسلة. طرزان شخصيةٌ فاتنة، قصةٌ بدائيةٌ تحمل تيمة البطل الواحد الذي لا يقهر، الشهم النبيل الذي يوضع على الجرح فيطيب، وعلى الأسفلت فيذوب، وعلى الصدأ فيلمع، والذي يصل في اللحظات المناسبة، ويلمع وحده في عالمٍ باهتٍ من الأطفال السذج الذين يحتاجون إليه. ورغم كل ذلك، فمن الصعب أن تقاوم سحر أجواء عالمه ومغامراته.

  • يمكن الحصول على نص القصة (باللغة الإنجليزية) كاملًا من مشروع غوتنبرغ.
  • تستطيع الاستماع إلى كتاب صوتي مجاني (باللغة الانجليزية) للقصة على موقع ليبريفوكس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *